دخلت ألمانيا في سباق مع الزمن لتعزيز قدراتها الدفاعية والطبية لتجهيز نفسها لأسوأ الاحتمالات، وهي حرب شاملة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، مع توقعات بوقوع ما يصل إلى ألف إصابة في صفوف الجنود يومياً.
وتأتي هذه الاستعدادات كرد فعل على الهجمات الروسية المتكرّرة للمجال الجوي لدول أعضاء في الحلف، مثل بولندا ورومانيا وإستونيا، إضافة إلى تحذيرات من هجوم محتمل بحلول 2029، وفق ما ذكر موقع “ناشيونال سكيورتي جورنال”.
وينقل الموقع عن الجرّاح العام الألماني، رالف هوفمان، أن طبيعة الحرب الحديثة، كما تظهر في أوكرانيا، ستُغيّر جذرياً نوع الإصابات، مع التركيز على الجروح الناجمة عن الانفجارات والحروق، بسبب انتشار الطائرات بدون طيار.
ولم يعد الصراع المسلح بين قوات الناتو وروسيا أمراً افتراضياً بعيد المنال، وحتى وقت قريب، كان يُنظر إليه كاحتمال مستبعد، خاصة خارج حدود أوكرانيا التي تشهد قتالاً دامياً منذ ثلاث سنوات وسبعة أشهر.
ومع ذلك، أدت الانتهاكات الجوية الأخيرة إلى إعادة تقييم الوضع، مما دفع السلطات العسكرية الألمانية إلى طرح أسئلة حول جاهزية البلاد لمواجهة حرب تقليدية واسعة النطاق.
ويقول هوفمان: “نحن نتحدّث عن رقم يبلغ نحو ألف جندي جريح يومياً”، مشيراً إلى أن هذا الرقم يعتمد على كثافة المعارك ونوع الوحدات المشاركة، فيما تعكس هذه الخطط “حالة الاستعجال” داخل الناتو.
وإذا أعادت موسكو بناء جيشها بعد وقف إطلاق النار في أوكرانيا، فإن ألمانيا تسعى لامتلاك الموارد اللوجستية والنقلية اللازمة لاستيعاب تدفق الضحايا، إذ إن التحذيرات المتكررة على مدار عامين من أعضاء الحلف، بما في ذلك وزير الدفاع الألماني، تشير إلى أن روسيا قد تهاجم الناتو بدءاً من عام 2029.
وتستند هذه التقديرات إلى افتراض أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيُعيد تشكيل قواته فور توقيع اتفاق سلام في أوكرانيا، مع الحفاظ على خطوط الحدود الحالية.
ورغم نفي موسكو أي نية لشن حرب على الحلف الغربي، إلا أن التوغلات الجوية للطائرات المقاتلة والمسيّرة الروسية، أثارت مخاوف من فقدان “الضبط الذاتي”.
ويعتقد ضابط عسكري أمريكي سابق، كان مكلفاً في بولندا، أن هذه الاستعدادات تستند إلى احتمال نشوب صراع مع موسكو. خصوصاً بعد حرب 2022 مع أوكرانيا، إضافة إلى حوادث مثل ظهور طائرات بدون طيار غامضة فوق كوبنهاغن عاصمة الدنمارك، وأوسلو عاصمة النرويج، مما يعزّز من الشعور بأن موسكو قد رفعت مستوى الرهان في ألعابها الجيوسياسية.
وبينما تُعد حرب أوكرانيا، الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، نموذجاً للحروب المستقبلية، فإن ألمانيا تتحسب للأعمال “العدائية” هناك عن كثب، وتكيّف تدريباتها الطبية بناء على الدروس المستفادة.
ويقول هوفمان: “لقد تغيّرت طبيعة الحرب بشكل كبير في أوكرانيا”، فقد انخفضت إصابات الطلقات النارية، مقابل ارتفاع الجروح الناجمة عن الانفجارات والحروق من الطائرات المسيّرة والذخائر المتطايرة.
ويصف الجنود الأوكرانيون المنطقة الممتدة 10 كيلومترات على جانبي خطوط المواجهة بـ”منطقة القتل”، حيث تكتشف الطائرات المسيّرة الأهداف وتحيدها بسرعة فائقة، ويعقّد هذا الواقع عمليات الإخلاء، إذ يصعب العثور على “فترة آمنة” لنقل الجرحى بسبب التغطية المستمرة للطائرات بدون طيار.
ونتيجة لذلك، يجب إطالة فترة استقرار الجنود المصابين، مع الحفاظ على علاماتهم الحيوية لساعات طويلة، كما يؤكد هوفمان على ضرورة خيارات نقل مرنة، مستشهداً باستخدام أوكرانيا لقطارات المستشفيات.
وحالياً، يدرس الجيش الألماني جدوى استخدام قطارات وحافلات المستشفيات، إلى جانب توسيع الإجلاء الطبي الجوي، إذ تتضمّن الاستعدادات تعزيز الخدمة الطبية العسكرية الألمانية، التي تضم 15 ألف شخص، لتلبية الاحتياجات المستقبلية.
كما تقدّر برلين احتياجها إلى نحو 15 ألف سرير في المستشفيات من إجمالي 440 ألف سرير متاح، فمنذ عدة أشهر، بدأت المؤسسات العسكرية الأوروبية في إعداد أقسامها الطبية للتعامل مع تدفق الإصابات السريع، مما يعكس تحولاً استراتيجياً نحو الاستعداد لنوع جديد من الحروب.

